وسبب وقوع الشيخ أبي جعفر الطحاوي في هذا الخطأ أنه حنفي، فمذهبه مذهب الإمام أبي حنيفة ، فاتبع الإمام في هذه المسألة، وهي أن الإيمان هو التصديق والإقتداء، وإن كان غير متعصب للمذهب كما سبق أن ذكرنا في ترجمته في أول شرح العقيدة، لكنه اتبع المذهب ظناً منه أن الخلاف قريب بين مذهب الإمام أبي حنيفة ومذهب الأئمة الثلاثة، والحقيقة أن هذه المسألة محل إجماع من السلف قبل ظهور المرجئة على ما سنبين -إن شاء الله- بالتفصيل.
فوقع في ذلك نتيجة اتباعه لمذهب إمام متبوع، وليس الإمام أبو حنيفة وحده القائل بذلك، بل شاركه في ذلك بعض أئمة أهل الكوفة .
وما ذكره الإمام الطحاوي في الفقرة التي بعد هذه يوضح ذلك، حيث لم يثبت أن الإيمان قول وعمل، ولذلك قال بعضهم: إذا كان الإيمان قولاً وعملاً فقوله: (ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله) لا يصح؛ لأن الإيمان قول وعمل، وهذا جواب كامل؛ لأنه إذا أثبتنا أن الإيمان قول وعمل كان ترك العمل كفراً من غير حاجة إلى ذكر الاستحلال. ولكن ما المقصود بالعمل؟ هل هو أن يترك عمل القلب، أم يترك عمل الجوارح بالكلية؟
فالقضية مبنية على تعريف الإيمان وحقيقته، فلما كان الإيمان عند الإمام الطحاوي هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان فقط كان ضد التصديق التكذيب أو الجحود، فلذا قال: لا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه، قاصداً بذلك النكاية بـالمعتزلة و الخوارج وبيان بطلان مذهبهم الذي أخرجوا به مرتكب الكبيرة عن دائرة الإيمان، سواء ألحقوه بالكفر كما يفعل الخوارج ، أو جعلوه في منزلة بين المنزلتين كما تقول المعتزلة ، وفيما سيأتي من كلامه يوضح لنا بجلاء خطأ هذه العبارة.